30 - 06 - 2024

تباريح | لماذا يعادون ثورة حالمة ؟

تباريح | لماذا يعادون ثورة حالمة ؟

(أرشيف المشهد)

  • 16-11-2015 | 16:11

من حيث الشكل قدم الرئيس السيسى نفسه على أنه مناصر لثورة 25 يناير بطموحاتها وأحلامها، وعلى أنه انحاز بالجيش لخيارات الشعب حين قاد عزل مرسى، ليس ذلك فحسب بل صدرت قوانين تحرم الإساءة لثورة 25 يناير و30 يونيو، لكن الأفعال تجاه الثورة عاكست الأقوال، وكأن الثورة كان مجرد مطية للصعود إلى كرسى السلطة.

للإيمان بالثورة ثمن يتلخص فى تحرير الإنسان المصرى من سطوة القهر والفساد، وإيجاد برامج اقتصادية شفافة وناجعة تنهى حالة الفقر الكاذب للمصريين، وحد أدنى من العدل الاجتماعى، والمساواة بين الناس على أساس المواطنة، وتكافؤ الفرص، وإيجاد مناخ سياسى حر يمكن عبره تداول السلطة، والفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية بحيث لا تتغول إحداها على أخرى، وإطلاق حرية التفكير والنقد والصحافة.. كل ذلك كان يقتضى إعادة حرث المجتمع واقتلاع النباتات الضارة منه وترك التربة تتنفس بشكل صحى، قبل زراعتها من جديد بأفكار وممارسات تتيح لمصر التخلص من كوابح نهضتها على كل المستويات.

كان ذلك يقتضى عدم الاستعانة مطلقا بوجوه من الجهاز البيروقراطى المصرى الذى رضع الفساد، وأصبح مكونا من مكونات دمائه، ورغم صعوبة أمر كهذا إلا أنه ممكن، فالشخصيات التى لفظتها الدوائر الفاسدة، وكان يمكن أن تتصدى لقيادة المرحلة ليست فقط بالمئات وإنما بالآلاف، ولأن مثل هذه الشخصيات خارجة عن السياق فكان طبيعيا ألا تطرحها مؤسسات وأجهزة تعانى من الداء نفسه، ولذلك كان ضروريا تطهير أجهزة الدولة العميقة وإعادة بنائها.

كما كان يقتضى تخلى فئات وشرائح عن امتيازات حصلت عليها فى عهود سابقة بينها عدد لا يستهان به من القضاة والضباط ورجال الأعمال، وإخضاع الجميع لجهاز الكسب غير المشروع لاسترداد الأموال العامة، التى حصلوا عليها بشكل غير مشروع، وإعادة تسعير ما حصلوا من أراضى ومزارع وإقطاعيات صغيرة لعلاج تضخم الثروات فى شريحة صغيرة، مقابل ضنك اقتصادى يصل حد الجوع فى قطاعات واسعة من الشعب.

وكان يقتضى الأمر ترسيخ سيادة القانون بحيث لا يستطيع تجاوزه شخص ولا فئة ولا هيئة ولا جهاز، وإخضاع الجميع للمحاسبة وإمكانية العزل والمحاكمة إذا ما أساءوا التصرف بدءا برئيس الجمهورية والوزراء وقادة الأجهزة الأمنية وكبار الضباط وانتهاء بأصغر موظف عام.

هذا عبء ضخم لا يستطيع شخص ولا إدارة مهما بلغت طهارتها وتجردها أن تنفذه بين يوم وليلة، فالفساد واستغلال النفوذ أصبح مع الوقت مكونا من مكونات الشخصية المصرية، وانتزاعهما يشبه إجراء جراحات دقيقة، كما أن من يتصدى له سيفتح على نفسه أعشاش دبابير قد تبدأ فى قواعد الأجهزة البيروقراطية، وربما لا تسلم منها الحراسات الخاصة فى مؤسسة الرئاسة ذاتها.

لذلك اختار السيسى الطريق الأسهل، أن يقود القطار بنفس عرباته القديمة وأن يسير به على نفس القضبان، والأكثر فداحة أنه يحاول تفكيك المكابح (المتمثلة فى المعارضة السياسية والحريات الصحفية التى بلغت أوجها بعد ثورة يناير) وإنشاء مجتمع خوف، ظنا منه أن ذلك سيتيح له الوصول بشكل أسرع إلى غاياته، وغير مدرك أن القطار بلا مكابح يمكن أن يخرج فى أى لحظة عن القضبان.

مقالات اخرى للكاتب

تباريح | مصر ليست مجرد أغنية!





اعلان